فصل: سنة ست وسبعين وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 سنة اثنتين وسبعين وستمائة

في المحرم‏:‏ نقض باب القصر المعروف بباب البحر تجاه المدرسة الكاملية بين القصرين لأجل نقل عمد منه لبعض العمائر السلطانية فوجد فيه صندوق في داخله صورة من نحاس أصفر مفرغ على كرسي شكل هرم ارتفاعه قدر شبر بأرجل نحاس والصنم جالس عليه ويداه مرتفعتان تحملان صفحة دورها ثلاثة أشبار مكتوبة بالقبطي وإلى جانب الكتابة في الصحيفة شكل له قرنان يشبه شكل السنبلة وإلى الجانب شكل ثان وعلى رأسه صليب وشكل ثالث في يده عكاز وعلى رأسه صليب‏.‏

ووجد مع هذا الصنم في الصندوق لوح من ألواح الصبيان قد تكشط أكثر ما فيه من الكتابة وبقي فيه بيبرس فتعجب من ذلك‏.‏

وفيه وردت الأخبار بحركة الملك أبغا فخرج السلطان من قلعة الجبل في ليلة سادس عشريه ومعه الأمير سنقر الأشقر والأمير بيسري والأمير أنامش السعدي‏.‏

فلما وصل السلطان عسقلان كتب إلى القاهرة بخروج العساكر جميعها والعربان من ديار مصر صحبه الأمير بيليك الخازندار ورسم بأن كل من في سائر مملكته له فرس فإنه يخرج إلى الغزاة وأن تخرج كل قرية من قري الشام رجالة يركبون الخيل على قدر حالهم ويقوم من بالقرية بكلفة من يتوجه ودخل السلطان إلى دمشق في سابع عشر صفر‏.‏

فخرج من عساكر مصر في حادي عشره عدة أربعة آلاف فارس صحبة مقدميهم‏:‏ وهم الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري وجمال الدين أقوش الرومي وعلاء الدين قطليجا وعلم الدين ططح‏.‏

ثم خرج في ثامن عشره الأمير بيليك الخازندار بطائفة فورد مرسوم السلطان على الأمير بيليك بالنزول قريبا من يافا وعندما قارب عسكر مصر دمشق ركب السلطان من دمشق في نحو أربعين نفسا جرائد بغير ركيدار وقد طلب العسكر وقارب المنزلة فاعترض السلطان العسكر وكان قد تلثم هو وجماعته فظنهم حجاب من بعض التركمان فأمروهم بالترجل فأبوا وساق السلطان بمفرده وجاء خلف سناجق وحسر لثامه عن وجهه فعرفه السلاح دارية ودخل السلطان وساق في ركبه فنزل الناس وقبلوا الأرض وسار حتى نزل ورتب العسكر‏.‏

وأصبح السلطان فركب في موكبه وقضي أشغال الناس إلى أن أمسي ثم ركب بمن حضر معه إلى دمشق وأصبح راكبا في موكبه‏.‏

وفي مدة غيبته كان الأمير سيف الدين الدوادار يرتب الأمور بدمشق ويكتب الأجوبة على علائم فوق أوراق بيض‏.‏

وفيه فر الأمير شمس الدين بهادر بن الملك فرج من التتار إلى السلطان بيبرس‏.‏

وكان الملك فرج في أول أمره أمير طشت السلطان جلال الدين خوارزم شاه وكان له سميساط وبعد وفاة جلال الدين سلك قلعة كيران وعدة قلاع بناحية تقجوان ثم وصل الملك فرج هذا إلى بلاد السلاجقة الروم فقطع بها ناحية أفصرا‏.‏

وكان بهادر قد كاتب السلطان بيبرس وراسله وتقرب إليه بإعلامه بحقيق أخبار العدو فعلم به التتار فأمسكوه وحملوه إلى الأردو فهرب وحضر إلى البيرة ووصل إلى دمشق وبها الملك الظاهر فأكرمه وأعطاه بمصر إمرة عشرين فارسا‏.‏

وخرج السلطان من دمشق إلى مصر فدخل قلع الجبل في رابع عشري جمادى الآخرة‏.‏

فتواترت الأخبار بحركة التتار فرسم للأمير عيسي بن مهنا أمير العرب بالغارة فأغار ووصل إلى الأنبار في ثامن عشر شعبان فظن التتار أن السلطان قد قدم فانهزموا إلى أبغا فرجع إلى بلاده‏.‏وفي شهر رمضان‏:‏ رسم للعسكر بالتأهب للعب القبق ورمي النشاب فيكب من كل عشرة فارسان في أحسن زيهم وقت الحرب وركب السلطان في مماليكه ودخلوا في الطعن بالرماح ثم أخذ السلطان الحلقة ورمى النشاب وجعل لمن أصاب من الأمراء فرسا من خيله الخاص بتشاهيره وقلسلقة والبحرية بغلطاق‏.‏

فاستمر ذلك أياما تارة يكون اللعب فيها بالرمح وتارة بالنشاب وتارة بالدبابيس وفرق السلطان فيها من الخيل والبغالطق جملة‏.‏

وساق السلطان يوما عادته في اللعب وسل سيفه فسلت مماليكه سيوفها وحمل هو ومماليكه الخواص حملة وحمل واحد واصطدموا فكان منظرا مهولا وأطلق السلطان من التشاريف ما عم به سائر من في خدمته‏:‏ من ملك وأمير ووزير ومقدمي الحلقة والبحرية ومقدمي المماليك والمفردية ومقدمي البيوتات السلطانية وكل صاحب شغل وجميع الكتاب والقضاة وسائر أرباب الوظائف‏.‏

وفي يوم عيد الفطر‏:‏ ختن الأمير نجم الدين خضر ابن السلطان وعده من أولاد الأمراء وجري السلطان على عادته في عدم تكليف الناس فلم يقبل من أحد هدية ولا تقدمة ولم يبق من لا شمله إحسانه من سائر الطوائف إلا المغاني وأرباب الملاهي فإنه لم تنفق لهم في طول أيامه سلع ولا نالهم منه رزق ألبتة‏.‏

وفي ثاني عشر شهر رمضان‏:‏ سار الملك السعيد من قلعة الجبل في عدة من الأمراء جريدة إلى الشام من غير أن يعلم به أحد فدخل دمشق في سادس عشريه على حين غفلة من النائب بحيث لم يشعر به العسكر إلا وهو بينهم في سوق الخيل فقبلوا له الأرض ودخل الملك السعيد إلى القلعة وأراد لعب القبق خارج دمشق فمنعته كثرة الأمطار‏.‏

وفي ليلة عيد الفطر‏:‏ خلع الملك السعيد على أمراء الشام والمعكمين والمفاردة والأكابر وخرج يتصيد بالمرج وسار إلى الشقيف وصفد وتوجه إلى القاهرة فوصل قلعة الجبل في حادي عشري شوال‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كان بمصر وأريافها وباء هلك فيه خلق كثير أكثرهم النساء والأطفال‏.‏

وحصل في بلاد الرملة وبلاد القدس مرض وحميات فقدم رجل نصراني إلى الأمير غرس الدين بن شاور والي الرملة وقال له‏:‏ هذه الآبار قد حاضت كما جرى في السنة التي جاء فيها التتار فيها إلى الشام‏.‏

وإن الفرنج بعثوا إلى قرية عابود في الجبل وأخذوا من مالها وصبوه في الآبار فزال الوخم وأشار بعمل ذلك فبعث والي الرملة إلى القرية المذكورة وأخذ من مائها وصبه في الآبار التي بيافا وكان الماء قد كثر فيها فنقصت إلى حدها المتعارف وكتب إلىالسلطان بذلك وقيل له‏:‏ إن هذه الآبار إناث تحيض وآبار الجبل ذكور ومنها آبار قرية عابود المذكورة‏.‏وفيها ولي تقي الدين أبو عبد الله محمد بن يحيي الرقي قضاء الشافعية بحلب بعد وفاة محيي الدين محمد بن الأستاذ‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الأمير فارس الدين أقطاي الصغير المستعرب الصالحي النجمي أتابك العساكر بديار مصر عن سبعين سنة في تاسع جمادى الأولى‏.‏

ومات الأمير حسام الدين لاجين الأيدمري المعروف بالدرفيل داودار السلطان‏.‏

وتوفي قاضي حلب محيي الدين أبو المكارم محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن الأستاذ الشافعي بها وقدقدم القاهرة ودرس بالمسرورية‏.‏

وتوفي قاضي قضاة دمشق كمال الدين أبو الفتح عمر بن شداد بن علي التقايسي الشافعي عن سبعين سنة بالقاهرة‏.‏

وتوفي مؤيد الدين أبو المعالي أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن القلانسي التميمي خارج دمشق عن ثلاث وسبعين سنة بعد ما قدم القاهرة‏.‏

وتوفي النحوي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني بدمشق عن وتوفي تقي الدين أبو إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر بن أبي اليسر التنوخي المعوي المحدث الأديب كاتب الإنشاء عن ثلاث وثمانين سنة بدمشق‏.‏

وتوفي المسند نجيب الدين أبو الفرج عبد اللطف بن عبد المنعم بن علي بن نصر الحراني مدرس دار الحديث الكاملية عن خمس وثمانين سنة بالقاهرة وتوفي جمال الدين أبو عيسي عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن علاقة الأنصاري عن ست وثمانين سنة‏.‏

وتوفي أبو عبد الله محمد بن سليمان الشاطبي بالإسكندرية عن بضع وثمانين سنة ومات ببغداد العلامة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الإمام المشهور في ذي الحجة‏.‏

وقد خدم أولاد صاحب الألموت ثم خدم هولاكو وحظي عنده وعمل له رصدا‏.‏

بمراغة وصنف كتبا عديدة‏.‏

وقد توفي في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وخمسمائة‏.‏سنة ثالث وسبعين وستمائة في المحرم‏:‏ قدم الملك المنصور محمد صاحب حماة إلى قلعة الجبل ومعه أخوه الملك الأفضل علي وولده المظفر تقي الدين محمود فأنزل بمناظر الكبش وعندما حل بها وصل إليه الأمير آقسنقر الفارقاني الأستادار بالسماط فمده بين يديه ووقف كما يقف بين يدي السلطان فلم يدعه الملك المنصور يقف وما زال به حتى جلس فلما فرغ السماط قدمت الخلع والتعابي وغيرها‏.‏

وفي ثامن صفر‏:‏ توجه السلطان من قلعة الجبل وسار إلى الكرك فأقام بها ثلاثة عشر يوما وكشف أحوال الشوبك وعاد إلى قلعة الجبل ثاني عشري ربيع الأول‏.‏

ثم توجه إلى العباسية ومعه الملك السعيد فصرع الملك أوزة خبية‏.‏

وقيل له‏:‏ لمن تدعي فقال‏:‏ لمن أدعو بحياته ومن أتقرب إلى الله بدعواته الذي حسبي افتخارا أن أقول والدي ومن يتمرن لصرع أعدائه ساعدي فقبله السلطان ووهبه من كل شيء‏.‏

وفيها تحيل السلطان على استخلاص رؤساء الشمواني الذين أسروا بقبرص ميناء نمسون وكان الفرنج لما كسرت الشواني على قبرص وأسروا من فيها السلطان الأمير فخر الدين المقري الحاجب إلى صور لابتياع الأسري فتغالى الفرنج الرؤساء وباعوا القواد والرماة لطائفة منهم فغادوا بهم أسرى أطلقهم السلطان وبقي الاحتفاظ على الرؤساء وهم ستة‏:‏ منهم رئيس الإسكندرية ورئيس دمياط فحبسوهم بعكا في قلعتها‏.‏

فبعث السلطان إلىالأمير سيف الدين خطابا وهو بصفد يأمره بالتحيل في سرقتهم فأرغب الموكلين بهم بالمال حتى وصل إليهم بمبارد ومناشير وسرقوا من جب قلعة عكا وساروا في مركب إلى خيل قد أعدت لهم فركبوها ووصلوا إلى القاهرة‏.‏

ولم يشعر بهم الفرنج حتى قدموا على السلطان فكانت بعكا لأجلهم فتنة بين الفرنج‏.‏

وقدم كتاب متملك الحبشة وهو الحطي يعني الخليفة يخاطب السلطان فيه بعبارة‏:‏ أقل المماليك يقبل الأرض وينهي وسال فيه أن يجهز له مطران من عند البطرك فأجيب‏.‏

وسار السلطان إلى الإسكندرية وأمر ببناء ما تهدم من المنار وعاد إلى قلعته‏.‏

وكتب السلطان بأن تخرج عساكر حلب للغارة فخرجت وأغارت على بلاد سيس وغنموا وقلعوا أبواب ربض مرعش‏.‏

وفي ثالث شعبان‏:‏ توجه السلطان من قلعة الجبل إلى الشام فدخل دمشق في سلخه وخرج منها في سابع رمضان فدخل حماة ثم صار منها بالعساكر والعربان‏.‏

وجرد السلطان عيسي بن مهنا والأمير حسام الدين العنتابي بعسكر إلى البيرة وجهز الأمير قلاوون الألفي والأمير بيليك الخازندار بعسكر إلى بلاد سيس فساروا وهجموا النصيصة على الأرمن وقتلوا من بها وكانت المراكب قد حملت معهم على البغال وهي مفصلة ليعدوا فيها من نهر جهان والنهر الأسود فلم يحتج إليها‏.‏

ووصل السلطان على الأثر بعد ما قطع بعساكره النهر الأسود وقاسوا مشقة وملكوا الجبال وغنموا عنها ما لا يحصى كثرة ما بين أبقار وجواميس وأغنام‏.‏

فدخل السلطان إلى سيس وهو مطلب في تاسع عشريه وعيد بها وانتهبها وهدم قصور التكفور ومناظره وبساتينه وبعث إلى دربند الروم فاحضر إليه من سبايا التتار عدة نساء وأولاد وسير إلى طرسوس فأحضر إليه منها ثلاثمائة رأس من الخيل والبغال وبعث إلى البحر عسكرا فأخذ مراكب وقتل من كان فيها‏.‏

وانبثت الغارات في الجبال فقتلوا وأسروا وغنموا‏.‏

وبعث السلطان إلى أياس بالعساكر وكانت قد أخليت فنهبوا وحرقوا وقتلوا جماعة وكان قد فر من أهلها نحو الألفين ما بين فرنج وأرمن في مراكب فغرقوا بأجمعهم في البحر واجتمع من الغنائم ما لا يحصره قلم لكثرته ووصلت العربان والعسكر إلى البيرة وساروا إلى عين تاب وغنموا فانهزم التتار منهم وعادوا‏.‏

فرحل السلطان من سيس إلى المصيصة من الدربند فلما قطعه جعل الغنائم بمرج أنطاكية حتى ملأته طولا وعرضا ووقف بنفسه حتى فرقها و لم يترك صاحب سيف ولا قلم حتى أعطاه ولم يأخذ لنفسه منها شيئا‏.‏

فلما فرغ من القسمة سار إلى دمشق فدخلها في النصف من ذي الحجة‏.‏

وفيها ولي قضاء الحنفية بدمشق مجد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم بعد وفاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي‏.‏

ومات فيها من الأعيان قاضي القضاة الحنفي بدمشق شمس الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عطاء بن الحسن بن عطاء الأذرعي عن ثمان وسبعين سنة‏.‏

وتوفي أمين الدين أبو بكر محمد بن علي بن موسى بن عبد الرحمن الخزوجي المحلي النحوي الأديب‏.‏

وتوفي الحافظ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد الأسدي الدمشقي المعروف باليغموري بالمحلة من أعمال القاهرة عن نيف وسبعين سنة‏.‏

وتوفي الحافظ وجيه الدين أبو المظفر منصور بن مسلم بن منصور بن فتوح بن العماد الهمداني الإسكندري الملكي المؤرخ عن ست وستين سنة بالإسكندرية‏.‏في ثامن المحرم‏:‏ وصل الأمير سيف الدين بلبان الدوادار إلى طرابلس في تجمل كبير ومعه كتاب السلطان إلى متملكها فما زال حتى قرر عليه في كل سنة عشرين ألف دينار صورية وعشرين أسيراً‏.‏

وفي رابع عشريه‏:‏ خرج الأمير بدر الدين الخازندار من دمشق لإحضار الملك السعيد ومعه أولاد الأمراء فوصل إلى قلعة الجبل وخرج بالملك السعيد على خيل البريد في سلخه فوصل إلى دمشق في سادس صفر وتلقاه السلطان ودخل به إلى قلعة دمشق‏.‏

وفي صفر‏:‏ هذا توجه السلطان أبو يوسف بن عبد الحق ملك المغرب لجهاد الفرنج فقتل الطاغية في المعركة في نحو ستة آلاف ولم يقتل من المسلمين إلا نحو ثلاثين رجلا وبلغت الغنائم من البقر مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وبلغ الأسرى سبعة آلاف أسير وعجزت القدرة عن إحصاء الغنم حتى أبيعت الشاة بدرهم وحمل الكراع على أربعة عشر ألف وستمائة جمل‏.‏

وفيها نبش عمال بني مرين قبور خلفاء الموحدين وأخرجوا عبد المؤمن بن على وابنه يعقوب المنصور من قبريهما وقطعت رأسهما وضربت أعناق من كان بجبل تينتمل وصلبوا‏.‏

بمراكش وأخذت أموالهم‏.‏

وفيها بنيت فاس الجديد وصارت دار ملك بني مرين‏.‏

وفي ثالث عشرى جمادى الأولى‏:‏ أخذ السلطان القصير حصن أنطاكية وحمل أهله إلىالجهات التي قصدوها‏.‏

وقدم الخبر بورود التتار إلىالبيرة فجمع السلطان للعساكر وأنفق وخرج من دمشق إلى حمص فجاء الخبر برجوع التتار فعاد إلى دمشق‏.‏

وفي هذه الأيام‏:‏ اختلفت أمراء الروم على البرواناه ففارقه جماعة من قيسارية وقدم منهم إلى السلطان الأمير ضياء الدين محمود بن الخطير والأمير سنان الدين موسى بن طرنطاي ونظام الدين أخو مجد الدين الأتابك بعيالاتهم يريدون الانتماء إليه فجهزهم السلطان إلى القاهرة ثم إن محمود بن الخطير سعي بهم فاعتقلوا بقلعة الجبل مدة ثم أطلقوا‏.‏

وفي مستهل رجب‏:‏ توجه السلطان من دمشق إلى مصر فدخل قلعة الجبل في ثامن عشره وقدمت هدية صاحب اليمن ومن جملتها كركدن وفيل وحمار وحش عتابي فسير السلطان إليه هدية مع رسله وجهز السلطان هدية للملك منكوتمر مع الأمير عز الدين أيبك الفخري وجهز رسل الأشكري ورسل الملك الفنش ورسل جنوة‏.‏

وفيها حضر ابن أخت ملك النوبة واسمه مشكد متظلما من داود ملك النوبة فجرد السلطان معه الأمير آقسنقر الفارقاني بعده من العسكر وأجناد الولاة والعربان ومعه الزراقون والرماة ورجمال الحراريق والزردخاناه فخرج في مستهل شعبان حتى عدي أسوان وقاتل الملك داود ومن معه من السودان فقاتلوه على النجب وهزمهم وأسر منهم كثيراً‏.‏

وبث الأمير آقسنقر الأمير عز الدين الأفرم فأغار على قلعة الدقم وقتل وسبي ثم توجه الأمير سنقر في أثره يقتل وياسر حتى وصل إلى جريرة ميكاليل وهي رأس جنادل النوبة فقتل وأسر وأقر الأمير آقسنقر قمر الدولة صاحب الجبل وبيده نصف بلاد النوبة على ما بيده ثم واقع الملك داود حتى أفني معظم رجماله قتلا وأسرا وفر داود بنفسه في البحر وأسر أخوه شنكو فساق العسكر خلفه ثلاثة أيام والسيف يعمل فيمن هناك حتى دخلوا كلهم في الطاعة وأسرت أم الملك داود وأخته‏.‏

وأقيم مشكد في المملكة وألبس التاج وأجلس في مكان داود وقررت عليه القطعة في كل سنة وهي فيلة ثلاثة وزرافات ثلاث وفهود إناث خمس وصهب جياد مائة وأبقار جياد منتخبة مائة وقرر أن تكون البلاد مشاطرة نصفها للسلطان ونصفها لعمارة البلاد وحفظها وأن تكون بلاد العلى وبلاد الجبل للسلطان وهي قدر ربع بلاد النوبة لقربها من أسوان وأن يحمل القطن والتمر مع الحقوق الجاري بها العادة من القديم وعرض عليهم الإسلام أو الجزية أو القتل فاختاروا الجزية وأن يقوم كل منهم بدينار عينا في كل سنة‏.‏

وعملت نسخة يمين بهذه الشروط وحلف عليها مشكر وأكابر النوبة وعملت أيضاً نسخة للرغبة بأنهم يطيعون نائب السلطان مادام طائعا ويقومون بدينار عن كل بالغ‏.‏

وخربت كنيسة سرس التي كان يزعم داود أنها تحدثه بما يرديه وأخذ ما فيها من الصلبان الذهب وغيرها فجاءت مبلغ أربعة آلاف وستمائة وأربعين دينارا ونصف وبلغت الأواني الفضة ثمانية آلاف وستمائة وستين دينارا‏.‏

وكان داود قد عمرها على أكتاف المسلمين الذين أسرهم من عيذاب وأسوان وقرر على أقارب داود حمل ما خلفه من رقيق وقماش إلى السلطان وأطلقت الأسري الذين كانوا بالنوبة من أهل عيذاب وأسوان وردوا إلى أوطانهم‏.‏

من العسكر من الرقيق شيئاً كثيراً حتى أبيع كل رأس بثلاثة دراهم وفضل بعد القتل والبيع عشرة آلاف نفس وأقام العسكر‏.‏

بمدينة دمقلة سبعة عشر يوما وعادوا إلى القاهرة في خامس ذي الحجة بالأسرى والغنائم فرسم السلطان للصاحب بهاء الدين بن حنا أن يستخدم عمالا على ما يستخرج من النوبة من الخراج والجزية بدمقلة وأعمالا فعمل لذلك ديوان‏.‏

وفي ثاني عشره‏:‏ اجتمع القضاة والأمراء والأعيان بقلعة الجبل وعقد للملك السعيد على غازية خاتون ابنه الأمير قلاوون الألفي بوكالة الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائب السلطة عن الملك السعيد‏.‏

فقبل العقد عن الأمير قلاوون الأمير آقسنقر الفارقاني على صداق مبلغه خمسة آلاف دينار المعجل منها ألفا دينار وكتب الصداق بخط القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وإنشائه ومن جملته‏:‏ هذا كتاب تحاسدت رماح الخط وأقلام الخط على تحريره وتنافست مطالع الأنوار ومشارق الأنوار على تسطيره وأضاء نوره بالجلالة وأشرق وهطل نوره بالإحسان وأغدق وتناسبت فيه أجناس تجنيس لفظ الفضل فقال الاعتراف هذا ما تصدق وقال العرف هذا ما أصدق‏.‏

وفيه شنق السلطان الطواشي شجاع الدين عنبر المعروف بصدر الباز وكان قد تمكن منه تمكنا عظيما من أجل أنه شرب الخمر وعلقه تحت قلعة الجبل‏.‏

وعندما انقضي أمر العقد ركب السلطان من يومه على الهجن في نفر يسير وسار إلى الكرك فدخلها في ثالث عشريه وهو يريد القبض على الأمير سابق الدين عبية فلما بلغه حضور السلطان قدم عليه فرعي له ذلك وزاد إقطاعه ونظر السلطان في أمر أهل الكرك وقطع أيدي ستة منهم اتهموا بأنهم قد عزموا على إثارة فتنة ورتب رجالا بها عوضاً عمن كان فيها‏.‏

وفيها أقام حجاج مصر بمكة ثمانية عشر يوما وبالمدينة النبوية عشرة أيام وهذا لم يعهد مثله‏.‏

ومات في هذه السنة من الأعيان الأمير ركن الدين خاص ترك الكبير أحد الأمراء الأكابر بدمشق في ثالث عشر ربيع الأول‏.‏

ومات الأمير حسام الدين قيماز الكافري نائب حصن الأكراد والسواحل والفتوحات‏.‏

وتوفي سعد الدين أبو العباس الخضر بن التاج أبي محمد عبد الله بن العماد أبي الفتح عمر بن على بن محمد بن حمويه الجويني شيخ الشيوخ بدمشق بها عن نيف وثمانين سنة‏.‏

وتوفي تاج الدين أبو الثناء محمود بن عابدين الحسين بن محمد بن على التميمي الصرخدي الحنفي بدمشق عن ست وتسعين سنة‏.‏

وتوفي زين الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن جبريل الإنشاء لقلعة الجبل في 000‏.‏

وتوفي كمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحيم بن على بن إسحاق بن على شيث الأمو وتوفي الأديب أبو الحسن على بن أحمد بن العقيب العامري ببعلبك‏.‏

 سنة خمس وسبعين وستمائة

في المحرم‏:‏ سار السلطان من الكرك فدخل إلى دمشق في رابع عشره وقدم عليه عدة من أمراء الروم مغاضبين للبرواناه وهو معين الدين سليمان بن على بن محمد بن حسن وكان منهم الأمير حسام الدين بينجار الرومي وبهادر ولده وأحمد بن بهادر واثنا عشر من أمراء الروم بأولادهم ونسائهم من جملتهم قرمشي وسكتاي ابنا قراجين بن جيفان نوين فأحسن السلطان إليهم وبعث حريمهم إلى القاهرة وأجري عليهم الأرزاق ثم وصل الأمير سيف الدين جندر بك صاحب الأبلستين والأمير مبارز الدين سوار بن الجاشنكير في كثير من أمراء الروم فتلقاهم السلطان بنفسه وأكرمهم ثم كتب السلطان إلى الأمراء بمصر يستشيرهم في بعث عسكر إلى الروم وأن يحضر الأمير بيسري والأمير أقش‏.‏

مما يتفق الرأي عليه فحضرا على البريد ووصل أيضاً الأمير سنقر الأشقر وتتابع وصول حريم أمراء الروم فأكرمهم السلطان وجهزهم إلى القاهرة وسار السلطان إلى حلب وجرد منها الأمير سيف الدين بلبان الزيني الصالحي في عسكر فوصلوا إلى عين تاب‏.‏

وعاد السلطان من حلب إلى مصر فدخل قلعة الجبل في رابع عشر ربيع الأول ورسم بتجهيز مهمات العرض فأخذ الناس في التجهيز وغلت الخيول والأسلحة وعدم صناع صقل العدد من القاهرة لاشتغالهم بالعمل عند الأمراء وعز وجود صناع النشاب ومقومي الرماح‏.‏

وفي خامس جمادى الأولى‏:‏ وقع العرض فركبت العساكر بكمالها في يوم واحد وقد لبسوا أجمل العدد وقصد السلطان بركوبهم في يوم واحد حتى لا يستعير أحد من أحد شيئا وفرق السلطان على مماليكه العدد الجليلة وركب الأمراء الروميون ومن حضر من الرسل وعرض الجميع على السلطان ونزلوا من الغد في الوطاقات للعب وقد لبس المماليك السلطانية الجواشن والخوذ وعملت الأبرجة الخشب على الفيلة ودخلوا في الحلقة وساقوا‏.‏

ثم نصب القبق بالميدان الأسود تحت القلعة ورموا النشاب وأنعم السلطان على كل من أصاب القبق من الأمراء بفرس من الجنائب الخاص بسرجه ولجامه وتشاهيره بالمراوات الفضة وغيرها وأنعم على من أصاب من المماليك والأجناد بالخلع‏.‏

كل ذلك والسلطان يسعى وقد تنوع في لامات حربه وصار يأخذ بقلوب الناس ويحسن إليهم وساق السلطان بالرمح أحسن سوق حتى تعجبوا من فروسيته إلى أن انقضي النهار على هذا‏.‏

وفي اليوم الثالث‏:‏ ركب السلطان ولعب الناس ورموا في القبق والسلطان يطاعن بالرمح‏.‏

وفي الغد ترتب العسكر من جهتين واصطدما وتطاعنت الفرسان وكان السلطان بينا يراه الناس آخرا قد شاهدوه أولا وهو لا يسأم من الكر والفر وشاهد الناس منه ومن الملك السعيد ما يبهر العقول وتواصل الطعن بغير جراح والسلطان بين تلك الصفوف لا يخاف‏.‏

وكان قفجاقي الأصل طويل القامة أسمر اللون في عينيه زرقة وبإحدى عينيه نقطة صغيرة صوته جهوريا وكان شجاعا عسوفا عجولا‏.‏

وكان قد حضر من البلاد مع تاجر إلى حماة ومعه مملوك آخر فلما عرضا على الملك المنصور محمد صاحب حماة لم يعجبه وأبيع بدمشق بثمانمائة درهم فرد مشتريه لبياض في إحدى عينيه فاشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار مملوك الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو بحماة معتقل بها وأقام في خدمته مدة ثم أخذ منه الملك الصالح فترقي في الخلع وتنقلت به الأحوال إلى ملك مصر والشام‏.‏

وكانت الأمراء تخافة مخافة شديدة حتى إنه لما مرض لم يدخل أحد منهم عليه إلا بإذن‏.‏

وكان مقداما خفيف الركاب طول أيامه يسير على الهجن وخيول البريد لكشف القلاع والنظر في الممالك فركب للعب الكرة في الأسبوع يومين بمصر ويوما بدمشق وفي ذلك يقول سيف الدولة المهمندار من أبيات يمدحه بها‏:‏ يوما بمصر ويوما بالحجاز وبالشام يوما ويوما في قري حلب وكانت عدة عسكره اثني عشر ألفا ثلثها بمصر وثلثها بدمشق وثلثها بحلب‏.‏

وكان هؤلاء خاصته فإذا غزا خرج معه أربعة آلاف يقال لهم جيش الزحف فإن احتاج استدعى أربعة أخرى فان اشتد به الأمر استدعى الأربعة آلاف الثالثة‏.‏

وافتتح من البلاد قيسارية وأرسوف وهدمها وفتح صفد وعمرها وفتح طبرية ويافا والشقيف وأنطاكية وخربها‏.‏

واستولي على بغراس والقصير وحصن الأكراد والقرين وحصن عكار وصافيتا ومرقية وحلبا وناصف الفرنج المرقب وبانياس وأنطرسوس وأخذ من متملك سيس دربساك ودركوش وتلميش وكفر دنين ورعبان ومرزبان وملك دمشق وعجلون وبصري وصرخد والصلت وحمص وتدمر الرحبة وتل باشر وصهيون وبلاطنس وقلعة الكهف والقدموس والدينقة العليقة والخوابي والرصافة ومصياف والكرك والشوبك وبلاد الحلب وشيزر وبلاد النوبة وبرقة وسائر إقليم مصر والشام وملك قيسارية من بلاد الروم‏.‏

وقد قال فيه بعض الأدباء‏:‏ تدبر الملك من مصر إلى يمن إلى العراق وأرض الروم والنوبي وله عدة أوقاف بمصر‏:‏ منها وقف الطرحاء لتغسيل فقراء المسلمين وتكفينهم ودفنهم وهو من أكثر الأوقاف نفعا ومنها تربة الظاهرية بالقرافة والمدرسة الظاهر بخط بين القصرين من القاهرة والجامع الظاهري خارج باب الفتوح من القاهرة‏.‏

وعمر السلطان بيبرس الجسر الذي يسلك عليه إلى دمياط وأنشأ عليه ست عشرة قنطرة وعمر قنطرة بحر انصباب السيل ووقفوا وقفة رجل واحد‏.‏

وقدم السلطان عدة من مماليكه وخواصه فقاتلوا قتالا شديدا ثم ردفهم بنفسه وحمل وحملت العساكر معه حملة شديدة‏.‏

فترجل التتار عن خيولهم وقاتلوا قتال من يطلب الموت حتى عظم القتل فيهم فولي طائفة منهم وأدركهم العسكر فأحاط بهم‏.‏

ونجا معين الدين سليمان البرواناه زعيم الروم فانهزم أصحابه وصار هو إلى قيسارية فوصلها بكرة يوم الأحد ثاني عشر ذي القعدة وأشار على سلطانها غياث الدين كيكاوس بن كيخسرو وجماعة الأمراء بالخروج منها فإن التتر المنهزمين متى دخلوا قيسارية قتلوا كل من فيها حنقا على المسلمين ثم أخذ البرواناه السلطان غياث الدين كيكاوس بن كيخسرون صاحب الروم وجماعة من أعيان البلد وصار بهم إلى توقات وبينها وبين قيسارية مسيرة ثلاثة أيام‏.‏

وأما السلطان فإنه نزل بعد هزيمة التتار في منزلتهم وأحضر إليه من أسر من أمراء المغول فعفا عنهم وأطلقهم‏.‏

وقتل في المعركة الأمير ضياء الدين بن الخطير والأمير سيف الدين قيران العلائي أحد مقدمي الحلقة وسيف الدين قفجاف الجاشنكير وعدة من العسكر وجرح جماعة‏.‏

وقتل قتاوون مقدم التتار في المعركة وأمر السلطان بقتل من أسر من التتار وأبقي من أسر من أمراء الروم وأعيانهم معه وفيهم أم البرواناه وابنه مهذب الدين على وابن ابنته‏.‏

وجرد السلطان الأمير سنقر الأشقر في جماعة لإدراك المنهزمين من التتر وللتوجه إلى قيسارية وكتب معه كتابا إلى أهل قيسارية بالأمان وإخراج الأسواق والتعامل بالدراهم الظاهرية فمر الأمير سنقر بفرقة من التتار معهم البيوت فأخذ منهم جانبا وأدركه الليل فتفرق من بقي منهم‏.‏

ورحل السلطان في يوم السبت حادي عشره يريد قيسارية الروم فاستولي في طريقه على عدة بلاد‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرة تلقاه أهل قيسارية من العلماء والأكابر والنساء والأطفال واحتف به الفقراء الصوفية وتواجدوا إلى أن قرب من دهليز السلطان غياث الدين صاحب الروم وخيامه وقد نصبت في وطاة بالقرب من المناظر التي كانت لملوك الروم فترجل وجوه العساكر المصرية والشامية على طبقاتهم ومشوا بين يديه إلى أن وصلها وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل وأقبل الروم من كل جهة وضربت نوبة آل سلجوق على عادتها وحضر أصحاب الملاهي كما هي عادة الروم فنهوا عن الضرب بالآلت وعن الغناء أيضاً وقيل لهم‏:‏ هذه الهيئة لا تتفق عندنا وما هذا موضع الغناء بل موضع الشكر‏.‏

وشرع السلطان في إنفاق المال وعين لكل جهة شخصان وكتب إلى أولاد قرمان أمراء التركمان وأكد عليهم في الحضور واستمال النازحين فما خرج البرواناخ عن المطاولة إلى أن علم السلطان منه إنه لا يحضر‏.‏

وركب السلطان في يوم الجمعة سابع عشريه وعلى رأسه جتر بني سلجوق ودخل قيسارية دار السلطة وعبر القصور وجلس على آل سلجوق وأقبل الناس للهناء وقبلوا الأرض وحضر القضاه والفقهاء والوعاظ والقراء والصوفية وأعيان قيسارية وذوو المراتب على عادة الملوك السلجوقية في أيام الجمع ووقف أمير المحفل - وهو عندهم ذو حرمة ومكانة ويلبس أكبر ثوب وعمامة - فرتب المحفل على قدر الأقدار وانتصب قائما بين يدي السلطان منتظرا ما يشير به‏.‏

وقرأ القراء أحسن قراءة ورفعوا أصواتهم بالتلحين العجيب إلى أن فرغوا فانشد أمير المحفل بالعربية والعجمية مدائح في السلطان ومد سماط الطعام فأكل من حضر ثم أحضرت دراهم عليها السكة الظاهرية‏.‏

وتهيأ السلطان لصلاة الجمعة وقام السلطان إلى الجامع وخطب الخطب بنعوته وصلي وخطب له الخطباء بجوامع قيسارية وهي سبعة فلما قضي السلطان صلاة الجمعة حمل إليه ما تركته كرجي خاتون امرأة البرواناه من الأموال التي لم تقدر على حملها معها وما خلفه سواها ممن انتزح معها وظهر لها ولزوجها معين لدين البرواناه موجود نفيس فأخذ السلطان ذلك‏.‏

وبعث البرواناه يهنئ السلطان بيبرس بجلوسه على تخت الملك فكتب إليه أن يفد عليه ليقره مكانه فبعث يسأل النظرة إلى خمسة عشر يوما‏.‏

ورجا البرواناه بذلك أن يصل الملك أيضاً وكان قد أرسل يستحثه على القدوم بنفسه ليدرك الملك الظاهر وهو ببلاد الروم فلما بلغ السلطان ذلك خرج من قيسارية في ثاني عشريه بعد ما أعطي الأمراء والخواص الخيول والأموال‏.‏

ولما وصل السلطان إلى خان كيقباد بعث إلى الأرمن بجهة الرمانة لأمير طيبرس الوزيري فحرق وقتل وسبي من بها من الأرمن وعاد وسبب ذلك أنهم كانوا قد أخفوا جماعة من التتر فسار السلطان إلى الأبلستين ومر على مكان المعركة ليري رمم القتلى من التتار فذكر أهل الأبلستين إنهم عدوا من القتلى ستة آلاف وسبعمائة وستين وضاع الحساب بعد ذلك فأمر السلطان بجمع من قتل من عساكره ودفنوا وترك منهم قليلا بغير دفن وقصد بذلك ودخل السلطان إلى الدربند في رابع ذي الحجة وأصاب الناس فيه مشقة عظيمة ونزل بحارم في سادسه وعيد هناك فورد كتاب الأمير شمس الدين محمد بن قرمان أمير التركمان يتضمن أنه جمع التركمان وحضر في عشرين ألف فارس وثلاثين ألف راجل متركشة للخدمة فوجد السلطان قد عاد وحضر أيضاً أمراء بني كلاب ووفود التركمان ثم رحل السلطان طالبا دمشق‏.‏

وقدم الملك أبغا بن هولاكو بالتتار لمحاربة السلطان فوافاه البرواناه في الطريق‏.‏

وكان السلطان قد رحل فتبعه أبغا وسار إلى الأبلستين حتى عاين القتلى بالمعركة وليس فيهم من الروم ولا من عساكر السلطان إلا القليل مع كثرة رمم التتار التي هناك فشق عليه ذلك وكان قد وشي إليه بالبرواناه إنه هو الذي كاتب الملك الظاهر حتى أقدمه إلى بلاد الروم فخنق لقلة عدد قتلي الروم‏.‏

وعاد أبغا إلى قيسارية فنهبها وقتل من ببلاد الروم من المسلمين وأغار التتار مسيرة سبعة أيام فيقال إنه قتل من الفقهاء والقضاة والرعايا ما يزيد على مائتي ألف نفس و لم يقتل أحدا من النصارى‏.‏

وكل القتل من أرزن الروم إلى قيسارية فيقال إن عدة القتلى كانت خمسمائة ألف ثم سار أبغا ومعه السلطان غياث الدين صاحب الروم ووكل بالبرواناه من يحفظه‏.‏

وسار السلطان بيبرس من حارم إلى أنطاكية ونزل بمروجها‏.‏الأمير عز الدين إيغان المعروف بسم الموت أيحد أمراء مصر وهو بقلعة الجبل مسجونا فدفن خارج باب النصر‏.‏

وفيها حج الصاحب تاج الدين حنا وكان بمكة غلاء عظيم‏.‏

وتوفي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الحنفي بدمشق بعد ما أقام بالقاهرة عينا وكان قد ولي قضاء بعض الأعمال‏.‏

وتوفي بدر أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن القويرة الحنفي الفقيه الأديب نحو أربعين سنة بدمشق‏.‏

وتوفي فخر الدين أبو الوليد محمد بن سعيد بن محمد بن هشام بن عبد الحق الكناني الشاطبي الحنفي النحوي الأديب عن ستين سنة بدمشق‏.‏

وتوفي قطب الدين أبو المعالي أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد عبد الله ابن محمد بن هبة الله بن على بن المطهر بن أبي عصرون التميمي الموصلي الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة بحلب‏.‏

وتوفي الأديب شهاب الدين أبو المكارم محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني التلمفري عن اثنتين وثمانين سنة بحماة‏.‏

ومات الشيخ العباس خضر بن أبي بكر بن موسى المهراني العدوي الكردي في محبسه بقلعة وماس متملك تونس أبو عبد الله محمد المستنصر بن السعيد أبي زكريا يحيي بن عبد الواحد بن أبي حفص في عاشر ذو الحجة فكانت مدته ثمانيا وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام وبويع بعده ابنه أبو زكريا يحيي الواثق‏.‏

 سنة ست وسبعين وستمائة

في خامس المحرم‏:‏ دخل السلطان من أنطاكية إلى دمشق بعساكره ونزل بالقصر الأبلق فكثرت الأخبار بقدوم أبغا إلى الأبلستين وأنه يريد بلاد الشام فضرب الدهليز على القصر ليخرج السلطان إلى لقائه فورد الخبر برجوع ألبغا إلى بلاده فرد الدهليز إلى دمشق‏.‏

ولما كان في يوم الخميس رابع عشره‏:‏ جلس السلطان لشرب القمز وقد عظم سروره وفرحه وتناهي سعده فأكثر من الشرب وانقضي المجلس فتوعك بدنه وأصبح يشكو فتقيأ وركب بعد الصلاة إلى الميدان ثم عاد إلى القصر الأبلق آخر النهار وبات فيه فلما أصبح وهو يشكو حرارة في باطنه استعمل دواء لم يكن عن رأي طبيب فلم ينجح وتزايد ألمه فاستدعى الأطباء فانكروا استعماله الدواء واتفقوا على أخذ مسهل وسقوه فلم يفد فحركوه بدواء آخر فأفرط به الإسهال وتضاعفت الحمي ورمي دما يقال إنه كبده فعولج بجواهر ومات‏.‏

وقال الشيخ قطب الدين اليونيني في تاريخه‏:‏ إن الظاهر كان مولعا بعلم النجوم فقيل له أنه يموت بدمشق في سنة ست وسبعين هذه ملك بالسم فاهتم من ذلك ويقال إنه كان فيه حد فلما دخل معه إلى بلاد الروم الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك بن الملك المعظم عيسي بن العادل أبي بكر بن أيوب أبلي في المصاف بلاءً عظيما أنكي به العدو وتعجب الناس لعظم شجاعته فأثر ذلك عند السلطان‏.‏

واتفق أن السلطان كان منه ذلك اليوم فتور وظهر عليه الخوف والندم على ما فعله من تورط نفسه وعساكره ببلاد الروم فأنكر عليه الملك القاهر وقبح فعله فأسر له السلطان ذلك إلى أن قدم في دمشق فسمع السلطان الناس تلهج مما فعله الملك القاهر في وقت المصاف فاشتد حنقه وأخذ يتحيل في سمه ليصح فيه ما دلت عليه النجوم من موت ملك بالشام فإنه يطلق عليه اسم الملك فعمل دعوة لشرب القمز حضرها الملك القاهر وقد أعد السلطان سما من غير أن يشعر به أحد‏.‏

وكان له ثلاث هنابات تختص به مع ثلاثة سقاة لا يشرب فيها غيره أو من يكرمه فيناوله أحدها بيده فلما قام الملك القاهر لقضاء حاجته جعل السلطان السم الذي أعده في هناب وأمسكه بيده فلما عاد الملك القاهر ناوله إياه فقبل الأرض وشرب جميع ما فيه وقام السلطان لقضاء حاجة وأخذ الساقي المناب من يد الملك القاهر وملأه على العادة من غير أن يشعر بما عمله السلطان من السم فيه وأمسكه بيده ووقف مع السقاة فلما عاد السلطان من الخلاء تناول ذلك المناب بعينه وشرب ما فيه وهو لا يعلم إنه المناب المسموم فعندما شربه أحس بالتغير وعلم إنه قد شرب بقايا السم الذي كان في المناب فتقيا فلم يفد وما زال به حتى مات‏.‏وذكر ركن الدين بيبرس المنصوري المؤرخ أن القمر خسف جميع جرمه ودل على موت رجل جليل القدر فلما بلغ الملك الظاهر هذا خاف وقصد صرف ذلك إلى غيره فسم الملك القاهر في كأس قمز وأحس الملك القاهر بالشر فقام وغلظ الساقي فملأ الكأس وسقاه السلطان فأحس بالنيران وأقام أياما يشكو ولا يعلم الأطباء حتى تمكن منه ومات‏.‏

وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشري المحرم بعد الزوال فكانت مدة مرضه ثلاثة عشر يوما وقد تجاوز الخمسين سنة ومدة ملكه سبع عشرة سنة وشهران واثنا عشر يوما‏.‏

وفي يوم الثلاثاء‏:‏ أنعم السلطان على جميع الأمراء والمقدمين والقضاة والمتعممين بالتشاريف ولبس السلطان تشريفا كاملا بشربوش ثم أنعم به على الأمير سيف الدين قلاوون الألفي ولعبوا على عادتهم‏.‏

وحصل الاهتمام بأمر السماط ونقل له من أصناف الحوائج ما لا يعد وسيق من الأغنام ألوف كثيرة‏.‏

ومدت الأسمطة وحضر السلطان والناس في خدمته إلى أن أخذوا حاجتهم من الطعام والحلاوات ثم نقل جميع ذلك وأخذ‏.‏

وحضرت التقادم فقبل السلطان منها اليسير مثل تقصيلة أو رمح أو شيء لطيف وما قام من مجلسه حتى أنعم بذلك في وقته ودخل الملك السعيد على ابنة الأمير قلاوون‏.‏

وشرع السلطان في السفر لأخذ بلاد الروم وبعث إلى الأمراء الروميين الخيول والخيام وكل ما يصلح من أمور السفر‏.‏

وتقرر الأمير آقسنقر الفارقاني نائب الغيبة بقلعة الجبل ومعه الصاحب بهاء الدين بن حنا ليكونا في خدمة الملك السعيد‏.‏

وتعين الصاحب زين الدين أحمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين لوزارة الصحبة‏.‏

وخرج السلطان من قلعة الجبل يوم الخميس العشرين من رمضان ورحل في يوم السبت ثاني عشريه ومعه الأمراء والعساكر الإسلامية يريد البلاد الشامية فدخل دمشق يوم الأربعاء سابع عشر شوال وخرج منها إلى حلب في العشرين منه فوصل إلى حلب مستهل ذي القعدة وخرج منها يوم الخميس ثانيه إلى حيلان وجرد السلطان الأمير نور الدين على بن محلي نائب حلب ليقيم على الفرات بعسكر حلب ويحفظ معابر الفرات لئلا يدخل أحد من التتار إلى بلاد الشام ووصل إلى الأمير نور الدين الأمير شرف الدين عيسي بن مهنا‏.‏

وكان السلطان منذ خرج من مصر إلى أن وصل إلى حلب لم يمر بمملكة إلا أخذ معه عسكرها وخزائنها وأسلحتها فترك بعض الثقل بحيلان وصار منها يوم الجمعة ثالثه إلى عين تاب وقطع الدربندربات في وطأة‏.‏

وتوجهت العساكر جرائد على الأمر المعهود وخففوا كل شيء وتقدم الأمير سنقر الأشقر جاليشا في عدة من العسكر فوقع على ثلاثة آلاف فارس من التتار ومقدمهم يسمى كراي فانهزموا قدامه وأسر منهم جماعة وكان ذلك يوم الخميس تاسع الشهر وبلغ ذلك الملك أبغا فجهز جماعة من عرب خفاجة لينازلوا عسكر حلب على غرة فبلغ ذلك نائب حلب وهو على الفرات فركب إليهم وقاتلهم وهزمهم وأخذ منهم ألفا ومائتي جمل‏.‏

وورد الخبر على السلطان بأن عسكر التتار ومقدمهم تتاوون وعسكر الروم ومقدمهم معين الدين البرواناه قد اتفقوا جميعا على لقائه فرتب عساكره وتأهب للقاء وطلع بعساكره على جبال تشرف على صحراء هوتي من بلد أبلستين‏.‏

وترتب المغول أحد عشر طلبا كل طلب يزيد على ألف فارس وعزلوا عسكر الروم عنهم وجعلوه طلبا بمفرده لئلا يكون محاصرا عليهم وأقبلوا فانصبت الخيول الإسلامية عليهم من جبل أبي المنجا وهي أجل قناطر أرض مصر‏.‏

وعمل قناطر السباع بين القاهرة ومصر على الخليج الكبير وحفر خليج الإسكندرية وبحر طناح وبحر الصماصم بالقليوبية وحفر خليج سردوس وأصلح بحر دمياط وردم فمه بالصخور‏.‏

ومن غريب أمره إنه أول ما فتح من البلاد قيسارية من بلاد الساحل وآخر ما فتح مدينة قيسارية من بلاد الروم‏.‏

وأول جلوسه على مرتبه الملك يوم الجمعة سابع عشري ذي القعدة وآخر جلوسه على تخت الملك بسلطنة آل سلجوق في قيسارية الروم يوم الجمعة سابع عشري ذي القعدة وأول من بني مدينة أنطاكية اسمه بالعربية الملك الظاهر والذي أخربها الملك الظاهر‏.‏

وأول من قام بدولة الترك السلجوقية ركن الدين طغرلبك والملك الظاهر ركن الدين بيبرس هو القائم في الحقيقة بدولة الترك من يوم وقعة المنصورة‏.‏

وركن الدين طغرلبك هو الذي رد الخلافة على بني العباس في نوبة البساسيري وركن الدين بيبرس هو الذي رد الخلافة على بني العباس في نوبة هولاكو‏.‏

والخطبة بديار مصر كانت بعد الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي للظاهر لإعزاز دين الله وكذا وقع له فقد كانت الخطبة بعد الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي للملك الظاهر بيبرس‏.‏

وكان راتب مخابزة وعليقة لخاصة نفسه ومماليكه في كل سنة مائة ألف وعشرين ألف أردب وكان يطعم في كل ليلة من ليالي شهر رمضان خمسة آلاف نفس ويكسو في كل سنة ستمائة كسوة خارجا عما يطلقه من يده من الكساوي وكان له من الخبز ألفا قنطار وخمسمائة في كل يوم‏.‏

إلا إنه كان كثير المصادرات للدواوين كثير الجباية للأموال من الرعية‏.‏

وأحدث وزيره ابن حنا في أيامه حوادث جليلة وقاس أملاك الناس بمصر والقاهرة وصادر أرباب الأموال حتى هلك كثير منهم تحت العقوبة وأخذ جوالي الذمة مضاعفة وأمر بإحراقهم كلهم وجمع لهم الأحطاب وحفر لهم حفرة عظيمة قدام دار النيابة بقلعة الجبل ثم عفي عنهم وقرر عليهم أموالا أخذت منهم بالمقارع ومات أكثرهم في العقوبة‏.‏

ولما توجه السلطان بيبرس إلى بلاد الروم كلف أهل دمشق جباية مال لإقامة الخيل وفرض عليهم ألف ألف درهم نقرة تجبي من المدينة ومن ولم يل الوزارة له سوي الصاحب بهاء الدين على بن محمد بن حنا وقضاته بمصر قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز إلى أن أحدث القضاة الأربعة واستمر ذلك من بعده‏.‏

وروي السلطان بيبرس بعد موته في النوم فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك فقال‏:‏ ما رأيت شيئا أشد على من ولاة قضاة أربعة‏.‏

وقيل لي فرقت الكلمة‏.‏

وكان كل من ولاه بيبرس في مملكة أو عمل أبقاه و لم يغير عليه ولا يعزله‏.‏

وتزوج بيبرس من النساء وهو ببلاد غزة قبل أن يلي الملك امرأة من طائفة الشهر زورية ثم طلقها بالقاهرة‏.‏

وتزوج ابنه حسام الدين بركة خان بن دولة خان التتري وابنة الأمير سيف الدين نوكلي التتري وابنة الأمير سيف الدين كراي بن تماجي التتري وابنة الأمير سيف الدين التتري‏.‏

وولد له من الأولاد عشرة الذكور منهم ثلاثة وهم الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان وولد في صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة بمنزلة العش من بنت حسام الدين بركة خان الخوارزمي والملك العادل بدر الدين سلامش والملك المسعود نجم الدين خضر والإناث سبع‏.‏

ولما مات السلطان بيبرس كتم الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائب السلطة موته عن العساكر وحمله في محفة من القصر الأبلق خارج دمشق إلى القلعة في الليل وجعله في تابوت وعلقه في بيت وأشاع إنه مريض ورتب الأطباء على العادة ثم أخذ العساكر والخزائن ومعه محفة محمولة وأوهم أن السلطان فيها مريض وخرج من دمشق يريد مصر فلم يجسر أحد أن يتفوه بموت السلطان‏.‏

واستمر الحال على ذلك حتى وصلت العساكر إلى القاهرة وصعدت الخزائن والمحفة إلى قلعة الجبل فأشيع حينئذ موته‏.‏

والجملة فلقد كان من خير ملوك الإسلام‏.‏

السلطان الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة قان بن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي‏.‏

لما مات الملك الظاهر بدمشق كتب الأمير بدر الدين بيليك الخازندار إلى الملك السعيد وهو بقلعة الجبل كتابا بموت أبيه فأظهر الملك السعيد عند ورود الكتاب فرحا كبيرا وأخلع على من أحضره وأشاع أن الكتاب يتضمن البشارة بعود الملك الظاهر إلى ديار مصر وأصبح فركب الأمراء على العادة تحت القلعة من غير أن يظهر عليهم شيء من الحزن‏.‏

وسار الأمير بيليك بالمحنة والأطلاب حتى قدم إلى القاهرة يوم الخميس سادس عشر صفر وهو تحت السناجق الظاهرية وصعد قلعة الجبل‏.‏

وجلس الملك السعيد بالإيوان وسلم إليه الأمير بيليك الخزائن والعساكر ووقف بين يديه فصاح الحجاب حينئذ‏.‏

يا أمراء ترحموا على السلطان الملك الظاهر‏.‏

فارتفع الضجيج والعويل ووقع الأمراء إلى الأرض يقبلونها للملك السعيد فجددت الأيمان وحلف له سائر العسكر والقضاة والمدرسين والأعيان وتولي تحليفهم الأمير بدر الدين بيليك الخازندار بحضرة القضاة‏.‏

فأقر الملك السعيد الأمير بدر الدين بيليك على نيابة السلطنة وأقر الصاحب بهاء الدين ابن حنا على وزارته وخلع عليهما وعلى الأمراء والمقدمين والقضاة وأرباب الوظائف‏.‏

وفي يوم الجمعة سابع عشريه‏:‏ دعا الخطباء على منابر الجوامع بمصر والقاهرة للملك السعيد وصلي بها على الملك الظاهر صلاة الغائب‏.‏

وخرج البريد إلى دمشق بموت الملك الظاهر وتحليف العساكر للملك السعيد فحلفوا‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول‏:‏ ركب الملك السعيد بالعصائب على عادة أبيه ومعه الأمراء والأعيان وعليهم الخلع وسير إلى تحت الجبل الأحمر وعاد إلى القلعة من غير أن يشق القاهرة وكان يوما مشهوداً‏.‏